فلما ناموا ضرب الله على آذانهم، أي: ألقى الله عليهم النوم فناموا، ولكن نومهم طال أمده فلم يكن يومًا أو بعض يوم، إنما ناموا سنين عددًا، سيذكرها لنا بعد ذلك، وبعد مرور هذه السنين على نومهم بعثهم الله؛ ليظهر ما في علم الله من آياته، التي تتضح للمختلفين في أمرهم؛ حتى يعلموا من الذين أحصى مدة بقائهم في الكهف، وبالتالي من الذي ضرب عليهم النوم كل هذه السنوات، ثم من الذي أحياهم، ثم من الذي أماتهم، ومن فعل ذلك قادر على أن يبعثهم مرة أخرى، بل وقادر على أن يبعث عباده بعد موتهم.
وبعد هذا الإيجاز في القصة تبدأ أحداثها بقوله: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ (الكهف: ١٣) الآية، وإذا تأملت في الآية التي بدأت بها القصة، والتي لخصتُها ولخصتْها الآيات، ثم ما جاء من الآيات بعد ذلك، لوجدت أنها ترتبط بالمحور الذي تقوم عليه آيات هذه السورة، وتدور في فلك الموضوع الذي نزلت الآيات لشرحه وتوضيحه، ولعلمت أنها جاءت تحقق الهدف الذي تقصده الآيات، فليست المسألة مسألة قصة تروى أحداثها لتكون متعة للنفس، ومجالًا للتسلية، إنما هي قصة تساق لتحقيق أهداف وغايات عظيمة، جاءت آيات السورة كلها تؤكدها وتحققها.
وفي مقدمة هذه الأهداف توحيد الله -عز وجل- وأن الإيمان هو القيمة العالية التي لا يعدلها شيء من حطام الدنيا، وأن الإنسان عليه ألا يتخبط في متاهات الباطل، إنما يجب عليه أن يقيم فكره وحياته على علم ويقين، لا على جهل وعمى، ولذلك بعد أن ذكر الله في الآيات الثمانية الأولى، التي تسبق قصة أصحاب الكهف، ما ذكر من ثنائه على رسوله بأنه عبده الذي أنزل عليه الكتاب، وأن هذا الرسول جاء مبشرًا ونذيرًا، وأن إنذاره لمن قالوا بأن الله اتخذ له ولدًا، ليكون