فيلخصها القرآن في ثلاث آيات، يبين فيها أن فتية فروا إلى الله بدينهم، إلى كهف في جبل، وأنهم أخذوا في دعاء الله أن يهب لهم من عنده رحمة، وأن يهيئ لهم من أمره رشدًا، وأنهم ما إن دخلوا إلى الكهف حتى ناموا، فألقى الله النوم عليهم، وأبقاهم في نومهم سنين عددًا، سوف يكشف لنا في نهاية القصة عن عدد هذه السنين، وبعد هذه القرون التي كانوا فيها نيامًا، بعثهم الله من رقدتهم وأخبر بحقيقتهم، وبين مدة بقائهم في كهفهم، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا﴾ (الكهف: ١٢).
يقول ابن عطية: "والظاهر من الآية أن الحزب الواحد الفتية، أي: ظنوا لبثهم قليلًا، والحزب الثاني أهل المدينة الذين بُعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية، وهذا قول الجمهور من المفسرين".
وقصة أصحاب الكهف التي بدأت هذه البداية جاءت معجزة ظاهرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جملة ما أخبر به، مما لا سبيل لمعرفته إلا عن طريق الوحي، كما أن المناسبة التي ذكرت من أجلها تبين مدى ما كان عليه اليهود من مكر ودهاء وصد عن هذا الدين، مع أنهم يعلمون أنه حق، ويقرءون في التوراة والإنجيل أن هذا المبعوث هو رسول الله حقًّا، كما قال تعالى في المتقين بأنهم: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ (الأعراف: ١٥٧).
إذ ورد في سبب النزول أن قريشًا بعثت النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة؛ ليسألوهم عن محمد وصفته، فإن اليهود في نظر قريش أهل الكتاب الأول، وعندهم من العلم ما ليس عند قريش، فماذا كان من أمر أحبار اليهود حين