هذا أيضًا من الأسباب التي جعلت هاتين الجنتين تؤتي أكلها كاملة، وكان لهذا الرجل أيضًا بالإضافة إلى ذلك ثمر، قال المفسرون بأن الثمر هو المال والمتاع، أي: كان له ثمر كثير ومال وفير، يضاف إلى ما هناك من هاتين الجنتين.
إلى هنا رأينا عظمة هاتين الجنتين وما فيهما من رزق الله الوفير، ولعلنا مرة أخرى نشير إلى نون المعظم لنفسه في قوله: ﴿جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا﴾ (الكهف: ٣٢) ﴿وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ﴾ (الكهف: ٣٢) ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا﴾ (الكهف: ٣٢) ﴿وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا﴾ (الكهف: ٣٣) مما يدلك على أن هذا من الله سبحانه وتعالى، وهو مظهر لقدرته وعظمته.
أما المشهد الثاني فتراه في هذا الحوار الذي أشار له القرآن في مطلع ما كان بين الرجلين: ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ (الكهف: ٣٤) ثم ما كان من قوله: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ (الكهف: ٣٥، ٣٦) إلى آخر ما قال.
لعلكم تلمحون معي من قوله: ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ (الكهف: ٣٤) أن صاحبه كان معه من البداية قبل أن يدخل إلى جنته، وأنه حين طلب منه المساعدة قال: أنا أكثر منك مالًا وأعز نفرًا، فافتخر واعتز بما أعطاه الله من مال، وما أعطاه من أبناء، وما أعطاه من قوة ومن أتباع.
ويبدو من القصة ومن سياق الآيات أن صاحبه لم يتركه ليقول هذا القول، إنما صار معه حتى وصل إلى جنة من جنتيه، وأن هذا الرجل المتغطرس دخل جنته وهو ظالم لنفسه، نعم هذا إنسان ظالم لنفسه حين تنكر لفضل الله عليه، وتنكر لأخيه وقطع رحمه، وقال له متعجرفًا مفتخرًا: أنا أكثر منك مالًا وأعز نفرًا، ولكن هذا الرجل حين دخل بستانه أو بستانًا من بستانيه، نظر يمينًا ويسارًا قائلًا: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ (الكهف: ٣٥).


الصفحة التالية
Icon