ثم يعلن لصاحبه بعقيدته فيقول: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ (الكهف: ٣٨) فيعلن أنه عبد موحد لله رب العالمين، موحد لربه في ربوبيته وألوهيته، وأنه لا يشرك بربه أحدًا، ثم يتوجه بالنصيحة لصاحبه، وما زال به يحاول أن يرده إلى الطريق الصحيح، فيقول: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ (الكهف: ٣٩) فإنه لو فعل ذلك لحفظ الله عليه ماله، ولأبقى له هذا المال، ولزاده بركات من بركاته، لكنه لم يفعل، ثم بين له حقيقة المقاييس التي يجب أن يفهمها هذا الرجل، فيقول: ﴿إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ﴾ (الكهف: ٣٩، ٤٠).
نعم؛ إن كان في الدنيا لم ينل مالًا ولا ولدًا، بالقدر الذي يكون عليه هذا الإنسان الغني المتغطرس، فليفهم أن الله هو الرزاق، وأنه -جل وعلا- ربما يمن عليه بخير من جنته هذه، يعطيه هذا في الدنيا، أو يعطيه هذا في الآخرة، أما جنته فإن الله -سبحانه وتعالى- يمكن أن يرسل عليها حسبانًا من السماء، فتصبح صعيدًا زلقًا، وانظروا إلى تعبير القرآن: ﴿حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ (الكهف: ٤٠).
حسبانًا من السماء، أي: أمطارًا غزيرة مدمرة من السماء، يترتب عليها أن هذه الحديقة، وهذه الجنة المثمرة العامرة المليئة بالأشجار العالية، التي تستر الأنظار، تصبح في لحظات أرضًا خالية لا نبات فيها ولا ثمر ولا شجر، إنما هي زلق، لا تستطيع أن تسير فيها لكثرة الماء في أرضها.
أو هناك أمر آخر هي أن يصبح ماء هاتين الجنتين غائرًا، فلن تستطيع له طلبًا، فهذا النهر الذي يسقي هذه الزروع وهذه الثمار، الله -سبحانه وتعالى- هو الذي أجراه، وهو القادر أيضًا أن يجعل ماء هذا النهر يغور وينقص بل ويجف، وحينذاك لا يستطيع هذا الرجل -مهما بذل- أن يستخرج هذا الماء مرة أخرى، وبالتالي سوف يكون مصير الجنتين إلى الذبول، ثم إلى النهاية،