﴿فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ هذا قول الله -سبحانه وتعالى- في قوله: ﴿فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ (الكهف: ٨٠، ٨١) فكان هذا عملًا مبرورًا وعملًا خيرًا.
ولعلنا هنا نتساءل عن سر الحكمة في ذلك، فنقول: مرد ذلك إلى علم الله سبحانه وتعالى، الذي لا يسأل عما يفعل، فقد خلق أناسًا وهو يعلم أنهم كافرون، وأنهم من أهل النار، كما خلق أناسًا وهو يعلم أنهم مؤمنون، وهم من أهل الجنة، وهؤلاء وأولئك جريًا على حكمته وسنته في خلقه، فسبحانه من إله حكيم عليم، ومن هنا اتضحت الحكمة في قتل الخضر لهذا الغلام.
أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنز لهما، وكان أبوهما صالحًا، ولو أن هذا الجدار سقط لظهر هذا الكنز، ولاستولى أهل هذه البلدة البخلاء على هذه الأموال، ولم يستطع اليتيمان أن يدفعا عن مالهما هؤلاء الأشرار، فأراد ربك أن يبلغا أشدهما، ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك، فهذه رحمة الله سبحانه وتعالى، أن يقام هذا الجدار، وأن يبقى إلى أن يصل هذان اليتيمان إلى سن الرشد، ليستخرجا هذا الكنز، ولينتفعا به. يقول الخضر: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾، وإنما هذا أمر الله سبحانه وتعالى، ثم يقول: ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ (الكهف: ٨٢).
الدروس المستفادة من قصة موسى والخضر
هذا ملخص وموجز لقصة موسى والخضر -عليهما السلام- وفيها من الدروس النافعة والعظات البالغة، ما يستحق أن نقف أمامه طويلًا؛ منها أن طلب العلم يحتاج إلى جهد وإلى تعب، وكل جهد في سبيل طلب العلم جهد يهون؛ لأن العلم به حياة القلوب، وفي القصة كما نرى أثر الصحبة، وحاجة الإنسان إلى أن يكون له صاحب مخلص، فهذا موسى -عليه السلام- قد أخذ معه يوشع بن نون، فكان رفيقًا له ونعم الرفيق.


الصفحة التالية
Icon