وفي القصة أيضًا ما يجب على المتعلم من الصبر على من يعلمه، وألا يتعجل النتائج قبل أن يفضي له أستاذه بما يراه مناسبًا، وبخاصة إذا اشترط الأستاذ على تلميذه ألا يسأل قبل أن يوضح له الأسباب، وقد رأينا ما كان من أمر موسى -عليه السلام- وأنه إذ رأى أمرًا عجبًا لم يطق صبرًا على ما رأى، فبدأ يتساءل عن سر ذلك، بل قال للخضر: ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ (الكهف: ٧١) ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾ (الكهف: ٧٤) ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ (الكهف: ٧٧)، ومن هنا وجب على طالب العلم أن يصبر.
أمر مهم في هذه القصة؛ ألا وهو أن الإنسان يجب عليه أن يفوض ما لا يمكن لعقله أن يصل إلى تفسيره إلى علام الغيوب، فهذه أقدار الخلائق تجري في هذا الكون، وفيها ما نرى من هذا التفاوت في أرزاقهم، وفي أحوالهم، وفي صحتهم، وفي فقرهم، وفي أبنائهم، وفي حياتهم، وكل ذلك بقدر الله -عز وجل- وأمره، وهذا هو الخضر يفعل ما يفعل، وقد أجرى الله على يديه ما رأينا في هذه الأحوال.
وكان الواجب على موسى أن يصبر حتى تتضح له الأسرار، لكننا نحن في مقام الاستفادة من هذه القصة، قد لا يتفق لنا أن نحصل على من يوضح لنا سر الله في خلقه، فعلينا أن يكون الرائد والموجه لنا في مثل هذا المقام، هو قول الله -عز من قائل-: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ (الأنبياء: ٢٣) وأمر آخر في هذه القصة هو ما كان من أمر الغلامين، وأن الله -سبحانه وتعالى- أكرمهما، وساق إليهما هذا العبد الصالح ليقيم لهما ذلك الجدار، حتى يبلغا أشدهما، وحتى يستخرجا كنزهما، وما ذلك إلا كما قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ (الكهف: ٨٢).
حتى ليقال بأن هذا الأب ليس هو الأب المباشر، وإنما هو الجد السابع، فالأبناء ينتفعون بصلاح الذرية، وهذا ما يجعل الإنسان الواعي العاقل


الصفحة التالية
Icon