يديرون الرأي فيما يصنعون لإبعاد يوسف عن أبيه، حتى تكون لهم الحظوة وحدهم، قال فريق منهم: اقتلوا يوسف، وقال آخرون: اطرحوه أرضًا، أي خذوه واتركوه في أرض بعيدة لا يستطيع العودة منها إلى أبيه، فإن فعلوا ذلك خلا لهم وجه أبيهم، ثم هناك يستغفرون الله من ذنبهم، وهذا من الحمق وسوء الأدب مع الله؛ إذ إن هذا يفتح الباب لكلِّ من أراد المعصية ليقول: أقتل أسرق أزني، ثم أتوب، إنما يقع من يقع في المعصية في لحظة من لحظات الضعف البشري، وكأنه ساهٍ ولاهٍ وجاهل، فإذا ما انكب على وجهه وألقاه الشيطان في بحر الخطيئة نهض من كبوته ضارعًا باكيًا على ذنوبه كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ (آل عمران: ١٣٥، ١٣٦)
وعرض عليهم أحد الإخوة وهو أكبرهم اقتراحًا ثالثًا، هو أن ينزلوه إلى قاعِ بئر عميق على طريق القوافل، فلعل قافلة تمرّ بهذا البئر، وتستقي منه الماء، فترى يوسف فتأخذه، فتحقق ما نهدف إليه من إبعاد يوسف عن أبيه، ولا نرتكب جريمة القتل، فاتفقوا على ذلك.
وتنتقل القصة إلى المشهد الثاني، وتترك فراغًا يملؤه الفكر، وهو يتساءل كيف استطاعوا تنفيذ مخططهم بكل ما فيه من قسوة وغلظة، تستطيع أن تقول بأنهم بعد هذا الاجتماع الشيطاني ذهبوا إلى أبيهم ليحتالوا عليه في الحصول على يوسف، فعرضوا عليه أنهم يريدونه أن يقضي معهم وقتًا يأنسون به، فارتاب في أمرهم، فماذا فعلوا؟ ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (يوسف: ١١، ١٢) فقال لهم: