﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ من دليل على سبب حفظ الله له من الوقوع في الذنوب، إلّا أنه كذلك شهادة من الله بأنّ يوسف عبد مصطفى ونبي مجتبى ورسول مخلص منتقى من بين الناس؛ ليكون موضع وحي الله وواسطة بين الله والناس، ومن كان كذلك هل يعقل أن يقال في همِّه بامرأة العزيز ما قيل.
وتواصل القصة عرض مشاهدها، فترسم صورة يوسف يحاول الفرار والإفلات من امرأة العزيز الهائجة الفائرة، التي نسيت في هذه اللحظات مكانتها ومنزلتها، وهي تجري وراءه حتى أمسكت بقميصه فقدّته، وقد وصل إلى الباب، وهو يحاول أن يسبقها ليفتحه ليهرب منها، وهي تحاول أن تصل قبله حتى تمنعه من الخروج، وإذا بسيدها -أي: زوجها- لدى الباب، فلما رأته تمالكت نفسها، وألقت التهمة على يوسف وقالت لزوجها: ﴿قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ وقبل أن يجيب لقنته ما يفعل فقالت: ﴿إِلّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، ولم تطلب من زوجها كما ترون أن يقتله جزاء فعلته، فقد كان قلبه ما زال معلقًا به، وتخشى عليه أن يقتل، وعلى الفور قال يوسف: ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾ وهو قول خادم في بيت السيد، والواقعة مع زوجة هذا السيد، فمن أين له الدليل ليدفع عن نفسه هذه التهمة، وليثبت أنها هي التي بذلت قصارى جهدها للوصول إلى غرضها الخبيث.
هنا تبرز القصة عناية الله بالمخلصين من عباده، فينطق الله رجلًا كان مع العزيز من أهلها فيقول: ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ﴾ لأن هذا يعني أنها كانت تدفعه عن نفسها فقدت قميصه من قبل، ﴿فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ﴾، ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾، فهذا دليل أنه كان يحاول الفرار والهرب منها، وهي تعدو خلفه، وتمسك به حتى قدّت قميصه


الصفحة التالية
Icon