ومع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان من الشرف والمكانة في قريش، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، خيار من خيار من خيار، فهو من أعلى قريش نسبًا وحسبًا، إلّا أنه لم يكن من أصحاب الأموال والتجارة، وهي مقاييس العظمة في كل بيئة تخلو من الدين الصحيح، ولهذا قالوا: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (الزخرف: ٣١).
وأخذ المشركون كل ما لديهم من مكر ودهاء وحيل للقضاء على دعوة الحق، اتهموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسحر والجنون، وطاردوه وطاردوا دعوته والمؤمنين معه في كل مكان، ورموهم بكل نقيصة، وأنزلوا بالمستضعفين منهم كل ألوان العذاب، ولم يسلم من عنفهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكبار أصحابه، وكان من أمر الله وحكمته أن منع المسلمين من رد هذه الإساءات ولو بكلمة، إنما أمرهم بالصبر على ما ينزل بهم إلى أن يأتي نصر الله، ومرت الأيام بل والسنوات، والمشركون يزدادون عنفًا، إلى أن أذن الله لرسوله والمؤمنين بالهجرة إلى المدينة المنورة.
ومن أراد أن يعرف ما لاقاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة من عَنَت وتَعَب ومشقة، فليقرأ سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيرة أصحابه في هذه الفترة العصيبة، فكانت آيات القرآن تنزل تحيي موات القلوب، وتبعث على الرضا، وتثبت الأقدام على طريق الحق، ومن هذه الآيات ما نقرأه في هذه السورة المباركة، سورة "ن والقلم"، فلنتأمل في مطلعها، والآيات التي وردت في بدايتها؛ لنرى وجه ارتباط قصة أصحاب الجنة بهذا المطلع وتلك الآيات.
بدأت السورة بقوله: ﴿ن﴾ وهي حرف من الحروف المقطعة التي وردت في افتتاح بعض سور القرآن كقوله تعالى: ﴿ص﴾، ﴿ق﴾ وكقوله: ﴿حم﴾ أو ﴿حم عسق﴾