الجنة، الذين لم يؤدوا حق الله فيما أعطاهم، والقرآن يعبِّر عن هذا وذاك بأنه ابتلاء، فيقول: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ (القلم: ١٧) والابتلاء ليس مجرد امتحان واختبار، إنما هو امتحان ببلاء يحدث للإنسان، وقد يكون هذا في الخير أو الشر، وكما قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ (الأنبياء: ٣٥).
يقول الراغب الأصفهاني: "والقيام بحقوق الصبر أيسر من حقوق الشكر، فصارت المنحة أعظم البلاءين، وبهذا النظر قال عمر: "بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر"، ولهذا قال أمير المؤمنين -يقصد عليًّا -كرم الله وجهه-: "من وسّع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مُكِر به، فهو مخدوع في عقله".
وإذا كان هذا الابتلاء بالنعمة من الله، وكان التعبير عن ذاته -جل وعلا- بقوله: "نا"، ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ (القلم: ١٧) علمنا أن هذا ابتلاء شديد؛ لأن الله بعظمته وما له من صفات الكمال والجلال هو الذي يفعل ذلك بعباده، فكم من نعمة أنعمها على المشركين، كان عليهم أن يشكروا الله على نعمه الكثيرة بالإيمان به والتصديق برسوله والانقياد لأمره، ولكنهم كفروا بالله وحاربوا رسوله، وصدوا عن دينه، فلم يجتازوا هذا الاختبار، ومَثَلهم كمثل أصحاب الجنة، ابتلاهم الله بأن أنعم عليهم ببستان فيه ما فيه من ألوان الفاكهة، والتعبير بالصحبة في قوله: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ (القلم: ١٧) دليل على ملكيتهم لجنتهم، وكثرة ترددهم عليها، وأنها كانت موضع بهجتهم وسعادتهم، يغدون عليها ويروحون، نجح أبوهم ورسبوا، فالقصة ترغيب وترهيب، والقصة بهذه البداية تجعلك تشرئب وتتطلع لمعرفة ما كان من أمر هؤلاء، فيأتيك بيانه في قوله: ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ﴾ (القلم: ١٧، ١٨).


الصفحة التالية
Icon