ولم يذكر الله ما كان يحدث من أبيهم من إكرام للفقراء وبرٍّ بالمساكين، وما ترتَّب على ذلك من بركة في رزقه، ووفرة في إنتاج حديقته؛ لأن المثل يُضرَب لمن كفر بأنعم الله، وهذا هو موطن العظة، والقرآن يتخطّى الأحداث التي سبقت قسمهم هذا؛ ليترك لك مساحة تُعمِلُ فيها فكرك، فتقول وتتخيل هؤلاء الأبناء في حياة أبيهم يرونه يجود بجزء من ثمار حديقته للفقراء، ويرون ما تجود به جنتهم من وفرة في هذه الثمار، وقد كبروا وصار لهم أبناء، وهم ينظرون إلى فعل أبيهم، فيظنون أن ما يفعله إسراف لا يليق، وأنه لو حَرَم المساكين ومنعهم من أخذ شيء من ثمارها لكان ذلك أولى؛ لأنهم سوف يكون لهم ما تنتجه جنتهم بالكامل.
ولذلك ما إن صارت الحديقة لهم بعد وفاة أبيهم حتى عقدوا هذا الاجتماع، وتداولوا فيما بينهم، فاتفقوا على الخطة التي سيسلكونها لمنع الفقراء والمساكين من الحصول على شيء من ثمار هذه الحديقة، يتخطّى القرآن كل هذه الصور ليعرض صورة لأبناء الرجل الصالح، وقد سيطر عليهم الغضب، وتملكتهم ثورة عارمة وحنق على ما أضاع أبوهم خلال سنوات قلائل، وقالوا ما سمعتم، لقد كان أبونا أحمق، وإن فعلنا ما كان يفعل ضاق علينا الأمر ونحن أصحاب عيال.
وتوثيقًا وتأكيدًا لما اتفقوا عليه أقسموا أن يقطعوا ثمارها في الصباح الباكر، قبل أن يعلم الفقراء والمساكين بخروجهم وقطعهم لثمار حديقتهم، وتعبير القصة عن منعهم الفقراء له طعمه ودلالته، فقد بدأ ذلك بالقسم، تأكيدًا لما عزموا عليه، ولم يذكر ما أقسموا به ليجعلك تتخيل كل عظيم لديهم يمكن أن يقسموا به، وإن كانت


الصفحة التالية
Icon