أما النتيجة ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ (القلم: ٢٠) وكلمة الصريم التي رأيناها في قول أصحاب الجنة: ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ (القلم: ١٧) وسوف نقرأها في ﴿أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ﴾ (القلم: ٢٢).
هذه الكلمة لم تُذْكَر في القرآن إلّا في هذه السورة، وهي تعني كما ذكر الراغب وغيره: انفصال شيء عن شيء، وهنا معناه: أن هذا الطائف الذي طاف عليها أسقط كل ثمارها، فلم يترك منها شيئًا، وقال ابن عباس: ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ (القلم: ٢٠): "كالرماد الأسود".
يقول الألوسي: "وهو بهذا المعنى لغة خزيمة"، وعن ابن عباس أيضًا: "الصريم رملة باليمن معروفة لا تنبت شيئًا"، وقال منذر والفراء وجماعة: "الصريم: الليل" والمراد أصبحت محترقة تشبه الليل في السواد وهي معانٍ متقاربة.
وتترك القصة أمر الجنة وما صارت إليه من احتراق أشجارها، والقضاء التام على ثمارها؛ لتعود بنا إلى أصحابها الذين استيقظوا في الصباح في الباكر، وما زالوا مصمّمين على تحقيق ما اتفقوا عليه، وتأمل معي تصوير القرآن لهم، وكأنك تراهم صورة ماثلة: ﴿فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ (القلم: ٢١ - ٢٥).
فها هم أولاء قد قاموا في الصباح قبل طلوع الشمس، وأخذ كل منهم ينادي أخاه ليوقظه، مما يدل على تحمسهم وإصرارهم على تنفيذ مخططهم، وكل منهم يقول لإخوته: هبوا لنذهب معًا إلى بستاننا، إن كنتم تريدون قطع ثماره قبل مجيء المساكين، كما جرت بذلك عادتهم، وبسرعة تجمعوا وانطلقوا وهم يتخافتون، أي: يتحدثون بصوت منخفض، يتواصون فيما بينهم، ويؤكدون ذلك قائلين: ﴿أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾ وساروا مسرعين إلى بستانهم يملؤهم الغضب، ويعتقدون أنهم على منْعِ المساكين قادرون، فقد مات أبوهم الذي كان في نظرهم يسيء إليهم؛ حيث يعطي


الصفحة التالية
Icon