عقدنا النية على حرمان المساكين.
وكم في كلمة الحرمان من تعبير عن الأسى والحزن والألم، وكأنها تصورهم والكآبة قد علت وجوههم، والألم يعتصر قلوبهم، وفي هذا المشهد ترى واحدًا منهم يقف يلومهم أن لم يستجيبوا لنصحه، وهو أخ لهم كما قال ربنا: أوسطهم، أي أرجحهم عقلًا وأصوبهم رأيًا، أو أوسطهم سنًّا، قال لهم: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾ (القلم: ٢٨) فهو يذكرهم بنصيحته لهم حين كانوا مجتمعين للتشاور في كيفية الحصول على ما في جنتهم كاملًا، دون أن يعطوا الفقراء منها شيئًا، ولم يقولوا إن شاء الله، ظنًّا منهم أنهم بتدبيرهم سوف يحققون مطلبهم، وأنه لا مجال لمشيئة الله في ذلك، أو يذكرهم هذا الأخ بما طلبه منهم من التوبة والرجوع عن هذه الخطة الفاسدة، فلم يستجيبوا لنصحه، فاعترفوا بذنبهم قائلين: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ (القلم: ٢٩).
والقرآن يذكر أنّ البلاء قد وقع بهم جميعًا؛ لأن هذا الأخ مع نصيحته لهم لم يتركهم يذهبون ولم يتخل عنهم ولم يتخلف، إنما سار معهم حيث ساروا، فوقع البلاء بهم جميعًا، مما يدعونا إلى أن نوجّه النصح لمن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أن يحذروا من موافقة أهل المعاصي والظالمين والطاغين.
والقرآن يصور حالهم، حال الندم بعد فوات الأوان، وكيف أنّهم أقبل بعضهم على بعض يتلاومون، كل منهم يلوم الآخر، ويدّعي أنه السبب فيما كان منهم وما وقع بهم، ثم اعترفوا بطغيانهم كما اعترفوا بظلمهم: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾ (القلم: ٣١) وكم في قولهم: ﴿يَا وَيْلَنَا﴾ من تحسر وندم، ودعوا الله أن يبدلهم خيرًا من جنتهم؛ لأنهم تابوا إليه ورغبوا في ثوابه وفضله، وقد قَبِلَ الله توبتهم، وأبدلهم خيرًا منها، وروي أنهم تعاقدوا وقالوا: إن أبدلنا الله خيرًا منها لنصنعنَّ كما صنع أبونا، فدعوا الله -عز وجل- وتضرعوا إليه سبحانه، فأبدلهم الله تعالى من ليلتهم ما هو خير منها.


الصفحة التالية
Icon