وفي مقام إثبات توحيد الله وما يكون عليه حال من أشرك به، يضرب الله الأمثال في كتابه، فيقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾ (البقرة: ٢٦) إلى آخر الآيات، فإن الله لما ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ (الحج: ٧٣) وقال: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (العنكبوت: ٤١).
قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران، فأنزل الله ردًّا عليهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ (البقرة: ٢٦) فهو -جلّ وعلا- خالق هذه المخلوقات، وكم فيها من دلائل قدرته، ولكن لها من الصفات ما يجعلها مثلًا يُضرَب في الضعف والقلة، فذكر الله حال الأصنام في عجزها وضعفها، وأن هذه الأصنام لا تستطيع أن تخلق ذبابًا ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه، مع شدة ضعف الذباب، ومع ذلك لا تستطيع هذه الآلهة المدّعاة أن تسترد ما أخذه الذباب منها، وما ذلك إلّا لأنها أحجار لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل، فكيف تكون آلهة تعبد مع الله أو من دونه.
يقول ربنا في بيان ما عليه هذه الأصنام من عجز وضعف: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ﴾ (الأعراف: ١٩٥)