تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ * مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف: ١٧٤ - ١٧٨).
وهذا الرجل كما روي عن ابن مسعود: هو بلعم أو بلعام بن باعوراء، من بني إسرائيل، وقال مالك بن دينار: "كان من علماء بني إسرائيل، وكان مجاب الدعوة، يقدّمونه في الشدائد، بعثه نبي الله موسى -عليه السلام- إلى ملك مدين يدعوه إلى الله، فأقطعه، أي خصص له أرضًا، وأعطاه -أي: مالًا- فتبع دينه وترك دين موسى -عليه السلام".
فانظر إلى تعبير القرآن عن ترك بلعام لدينه وأنت تقرأ: ﴿فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ أي: خرج من آيات الله ودينه بالكلية، فتسلّط عليه الشيطان، فكان من الغاوين، يقول ربنا: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾ (الأعراف: ١٧٦) أي بهذه الآيات، فلم يخضع لكيد الشيطان، ولم يستطع الشيطان أن يصل إليه؛ لأن الله قال منذ فجر الخليقة: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ (الحجر: ٤٢)، ولكن بلعام أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمال إلى الدنيا والمتاع، ولم ينظر إلى أعلى، إنما انكبَّ على شهواته وأطماعه، فهو متشبث بالأرض، لا يلتفت إلى سواها، وقد شبهه الله بالكلب اللاهث، الذي يندلع لسانه من العطش عند شدة العَدْو أو شدة الحر.
يقول الإمام الفخر الرازي: "واعلم أن هذا التمثيل ما وقع بجميع الكلاب، وإنما وقع بالكلب اللاهث، وأخس الحيوانات هو الكلب، وأخس الكلاب هو الكلب اللاهث، فمن آتاه الله العلم والدين فمال إلى الدنيا وأخلد إلى الأرض، كان مشبهًا بأخسّ الحيوانات، وهو الكلب اللاهث".