فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (النمل: ٥٩ - ٦٤).
اقرءوا هذه الآيات لتروا كيف ينتقل الحق بهم في أسلوب لا يحتمل الجدال، من تسليمهم بما ذكر في كل آية ليسألهم سؤال تقرير وإنكار: أإله مع الله، أإله مع الله، ولو كانوا يريدون البحث عن الحق لما توقفوا ولقالوا: لا إله إلا الله، كما قالوا: لا رب إلا الله، إلى غير ذلك من الآيات التي تأخذ بأيديهم من توحيد الربوبية إلى توحيد الألوهية، والتي تستتبع توحيد هذا الإله في أسمائه وصفاته.
وهذا الإله الواحد الأحد المتّصف بصفات الجلال والكمال، لم يخلق الناس عبثًا، إنما خلقهم لعبادته، ويترتب على ذلك رجوعهم إليه ليحاسبهم ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (الزلزلة: ٧، ٨)، وقد استبعد الكفار من الملحدين والمشركين ذلك، وقال الملحدون: إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلّا الدهر، بل إن المشركين قالوا ذلك أيضًا، وقالوا: هذا شيء عجيب، أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ (النمل: ٦٧، ٦٨) فوقفوا بهذا الاعتقاد على عتبة الحياة الدنيا، وظنوا أن الحياة