في الثلاثة الأولى: الخلق والرزق والإماتة، فلا بد لهم أن يسلّموا بالأمر الرابع وهو إحياؤهم بعد الموت للحساب والجزاء، كما تلمح في قوله في السورة: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الروم: ٥٠) فقد أخذ من هذه الصورة التي يرونها بين أيديهم، في أرض خالية من النبات، سماها بالأرض الميتة، وضعت فيها البذور ونزلت عليها أمطار السماء، أو سقيت بماء الأنهار أو العيون، وهو في أصله ماء السماء، فإذا بهذه الأرض ترفّ خضرة وبهجة ورواءً، ثم حان موعد حصادها فحصدت، فمن الذي أحياها بعد موتها ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ (الواقعة: ٦٤)، فمن فعل ذلك هو الإله القادر على أن يحيي الموتى، ويهدّد رب العزة والجلال المنكرين لهذه الحقيقة فيقول: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ (الروم: ٥٥ - ٥٧).
وقريب من ذلك ما تقرءونه في سورة "ق"، بعد أن ذكر الله استبعاد المشركين للبعث، بحجة أن أجسادهم تفرقت في ذرّات التراب، فكيف تجمع وتعود إليها الحياة، فرد عليهم الإله القوي القادر بقوله: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ﴾ (ق: ٤) ثم أخذ يسائلهم ويتعجب من غفلتهم فيقول: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ (ق: ٦ - ١١).