وآفة كثير ممن يتعرّضون للدعوة، أنهم لم يشعروا بأنهم أصحاب قضية وأنهم مكلفون بالدفاع عنها، إنما هي هذه مهنة ووظيفة يتقاضون عليها راتبًا، فإذا وقف الخطيب يتحدث للناس، لا يدري ماذا يقول لهم، فاختار موضوعًا لا يعالج مشكلة ولا يثير اهتمامًا، وحين عرضه لم يحسن أداءه لا في نطقه، فكثرت أخطاؤه، ولا في استشهاده بكتاب الله وسنة رسوله، وربما لا يعرف موقع الآية مما يقول، بل ربما لا ينطقها ولا يتلوها تلاوة صحيحة، وإذا ذكر حديثًا من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يضبط نطقه، ولا يدري درجته من الصحة، فربما جاء بحديث ضعيف أو موضوع أو قصة من نسج الخيال، ينسبها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو لا يدري، وما ذلك إلّا لأنه خارج الحلبة، يفقد عنصر الإيمان بما يقول.
وهذا الإيمان -كما تعلمون- لا يأتي بين يوم وليلة، إنما يحتاج إلى تربية خاصة بالدعاة، تربية علمية وتربية عملية على طاعة الله والتعلق به، وحب القرآن والعلم به، والاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم، والسير على منهاجه.
ومن صفات الداعية: الإلمام الواسع بعلوم الكتاب والسنة، وما يعينه على فهم مجتمعه والمجتمعات الأخرى، وهذا معناه: أن يكون ضليعًا في علوم اللغة العربية نحوًا وصرفًا وبلاغة، وأسوأ ما تراه في بعض الدعاة أخطاؤهم التي لا تخفى على الطلاب المبتدئين، فترى الواحد منهم يجعل الفاعل مفعولًا، والمفعول فاعلًا، فلا يعرف أبسط قواعد الإعراب، وإلمامه باللغة يجعله دارسًا للأدب العربي شعره ونثره، وما يتبع ذلك من ألوان الحكم والمواعظ والأمثال والقصص.
ثم عليه أن يتبحر في التفسير وعلومه، والحديث ومصطلحه ورجاله، وعلم الدعوة وفنّه وأسلوبه، والتوحيد وقضاياه، والسيرة النبوية وتاريخ الخلفاء ومن بعدهم، كما يعينه على ذلك أيضًا أن يدرس علم الاجتماع والجغرافيا ومبادئ العلوم الطبية والفيزيائية، إلى غير ذلك من العلوم.