يقول في الرد على المنافقين: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ (النساء: ١٣٨، ١٣٩) ويقول ربنا: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (المنافقون: ٨)، وقال في سورة "فاطر": ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ (فاطر: ١٠).
والمؤمنون أرادوا هذه العزة، فطلبوها من العزيز الحكيم فمنحهم إياها، فعزتهم مستمدة من عزة الله وعزة رسوله، والدعاة في قمة من أراد ذلك، فلم يذلوا أمام مال أو جاه، ولم يبيعوا دينهم بعرض من أعراض الدنيا، ولم ينافقوا صاحب سلطان، ولم يتوانوا في تبليغ رسالة ربهم، ولم يستطع متجبّر أو متكبر أن يحول بينهم وبين الناس بترغيبهم أو بترهيبهم، وليست عزتهم كبرًا وتعاليًا على الآخرين، إنما عزتهم كرامة وترفُّع عن الدنايا، وإحساس بما أنعم الله به عليهم من نعمة الإيمان والقرآن، وأنهم ورثة الأنبياء ودعاة الحق، وعزتهم شجاعة في ثبات في المواقف، وكم للدعاة والعلماء من مواقف تكتب بمداد من نور أمام الولاة والحكام والملوك والرؤساء.
وهذه العزة والشجاعة يزينها صفة أخرى وهي صفة التواضع وصفة الرحمة، وبهذه الصفات يقترب الداعية من قلوب الناس، فيحظى بمحبتهم، فيوجههم إلى ما يدعو إليه من الخير، وقدوته في ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد قال الله له: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (الشعراء: ٢١٤ - ٢١٦).
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلس بين أصحابه، فلا يكاد يعرف من بينهم، ودخل عليه رجل فأرعد من هيبته فقال له: ((هوّن عليك، فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد))، وكان لا يدعوه أحد من أصحابه وغيرهم إلّا قال:


الصفحة التالية
Icon