لبيك، وكان يجلس مع الناس، إن تكلموا في معنى الآخرة تكلم معهم، وإن تحدثوا في طعام أو شراب تحدث معهم، وإن تكلموا في الدنيا تحدث معهم رفقًا بهم وتواضعًا لهم.
ومن توجيهات القرآن ما تقرؤه في نهاية قصة قارون: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (القصص: ٨٣) والمتكبرون مصروفون عن تدبر آيات الله وفهمها، قال تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ (الأعراف: ١٤٦).
والدعوة إلى الله في حاجة إلى هذا الخُلق؛ ليحظى الداعية بالمحبة والرضا، فيحتل من الناس قلوبهم، فيحظى وتحظى دعوته بالقبول، والرحمة عنوان التواضع، إنها إحساس المؤمن بحاجة إخوانه، فيعاملهم بالرفق، يزور مريضهم، ويحنو على صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويأخذ بيد الضعيف منهم، ويتودد إليهم ويساعد محتاجهم، ويدخل السرور عليهم، ويحوطهم برعايته وعطفه وبره، وقد قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح: ٢٩) وقال في صفات من يختارهم لنصرة دينه: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾ (المائدة: ٥٤).
وكم تحظى الدعوة بالنجاح إذا ما اتصف الدعاة بهذه الصفة، بل إنّ هذه الصفة كانت الباب الواسع الذي دخل منه الإسلام إلى القلوب، سنّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان أعظم الناس رحمة بالناس، فتعلقت به القلوب، وسار عليه أصحابه وسلف الأمة الصالح، فانشرحت لمرآهم الصدور، وانتشر دينهم في كل مكان.


الصفحة التالية
Icon