ومن صفات الداعية المواكبة لتواضعه ورحمته الحلم وحسن الخلق، والحلم صفة من صفات الله، فقد وصف الله نفسه بأنه غفور حليم، وغني حليم، وعليم حليم، وشكور حليم، ووصف الله بها إبراهيم فقال: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ (التوبة: ١١٤) وقال: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ (هود: ٧٥) ووصف بها إسماعيل فقال: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ (الصافات: ١٠١) وقال قوم شعيب له: ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ (هود: ٨٧) وهكذا أنبياء الله جميعًا.
وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أعظم الناس حلمًا، في كثير من المواقف التي تغضب الحليم تراه لا يثور ولا يغضب، ولا يقابل السيئة بالسيئة، إنما يعفو ويصفح، وليت الوقت يسمح بذكر بعض تلك المواقف، ففيها عظات وعبر، وما أمر حاطب بن أبي بلتعة، وهو ممن شهد بدرًا عنكم ببعيد؛ إذ لمّا علِم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعد العدة سرًّا ليفاجئ أهل مكة ليفتحها دون أن يريق الدماء، أرسل حاطب إليهم يخبرهم بذلك، فأوحى الله لرسوله بهذا، فأرسل ثلاثة من أصحابه ليلحقوا بالمرأة التي حملت الرسالة، وجاءوا بها -أي: بهذه الرسالة- فلما سأله قائلًا: ((يا حاطب، ما هذا؟)) قال: يا رسول الله، لا تعجل عليّ، إني كنت امرأً ملصقًا في قومي، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهلهم، فأحببت إن فاتني ذلك من النسب منهم أن أتخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي، ولم أفعل ذلك كفرًا ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، ولا ارتدادًا عن ديني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنه صدقكم)) فقال عمر -رضي الله عنه-: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنه شهد بدرًا، وما يدريك لعلّ الله -عز وجل- قد اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))، وبعد أن أتمَّ الله على رسوله فتح مكة وقف خطيبًا وسأل أهلها: ((ما تظنون أني فاعل بكم)) قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)).