﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾، ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾، ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾، فنرى من خلال هذه الآيات أن كلمة العفو تعني شيئًا زائدًا على مجرد الصفح، والذي هو كما رأينا في معانيه اللغوية يعني: أن يدير الإنسان صفحته بعيدًا عن هذا الذي أساء إليه، أو أخطأ، أو وقع منه ذنب.
أما العفو فهو المحو التام للذنب وآثاره، ومن هنا جاءت هذه الآيات كما نرى وصفًا لله -سبحانه وتعالى-، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾، ﴿إِنَّ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾، وأن الله سبحانه كما قال: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ﴾، ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ﴾ بمعنى: أنه أزال هذا الذنب فلا تثريب، ولا مؤاخذة، ولا عتاب؛ فالمؤمنون حين يصفون بهذا ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ إلى آخر الآيات، ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ فهذا معناه: أن المؤمن يكظم غيظه، ولا يكفي هذا إنما يحتاج إلى أن يعفو عمن أساء إليه، ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾، فهذا العفو يعني: ألا يبقى للذنب أثر في نفس هذا الإنسان. وهذا هو الإسلام الذي جاء بالدعوة إلى الصفح وإلى العفو.
العفو في السنة المشرفة
يروي الإمام البخاري بسنده عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ((كنت أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت صفحة عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء)) فما أكرم هذا الرسول هذا الأعرابي يصنع هذا الصنيع بمن؟ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مع