وضلّ الناس طريق العبادة، وهذا شأن الله مع خلقه، لا يتركهم يتخبطون في دياجير الباطل، إنما يرسل إليهم رسل، وينزل إليهم الكتب، وكلما ذهب رسول وانحرف الناس بعده في فترة تطول أو تقصر، أرسل الله رسولًا آخر، إما على ما أنزل الله على الرسول السابق من كتاب، فيظهر حقائقه ويبين معالمه ويدعو أمته إلى العودة والالتزام بهذا الكتاب، أو ينزل الله على هذا الرسول كتابًا آخر، إلى أن ختمت الرسالات والنبوات بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وختمت الكتب المنزلة بالقرآن الكريم.
فما هي المدة التي انقضت من آدم إلى أن بعث الله نوحًا، وفيها انطمست المعالم وعبِدَت الأصنام، ذكر ابن جرير الطبري أنّ مولد نوح كان بعد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين عامًا، وأنه بعِثَ وهو ابن ثلاثمائة وخمسين، وقيل غير ذلك، وأنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين، وقيل: إن مدة عمره ألف سنة إلّا خمسين عامًا قبل البعثة وبعدها وبعد الغرق، يقول ابن كثير: فالله أعلم.
وهذه المدة التي ذكرها ابن جرير قد يكون الأصح منها ما رواه ابن حبان وصححه، من حديث أبي أمامة: ((أن رجلًا قال: أنبي كان آدم؟ قال: نعم)) وفي رواية: ((نعم نبي مكلّم)) أي: أن الله كان يكلمه، قال: ((فكم بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون)).
وأقرب ما قيل في مدة وعمر نوح ما رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "بعث نوح وهو لأربعين سنة، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وعاش بعد الطوفان ستين عامًا حتى كثروا وفشوا، والمدة المحققة التي لا شك فيها، هي مدة بعثته والتي وردت في قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (العنكبوت: ١٤، ١٥).