وفي مقام تخويفهم يذكر نوح أنّ عذاب هذا اليوم عظيم، وكلمة اليوم في هذا السياق تعني الزمن المتطاول، الذي يكون فيه إحياء الناس من قبورهم، وما يحدث بعد ذلك حتى يستقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، ولكنه مع طوله يوم وأيّ يوم، وقد خوفهم نوح بعِظَم هذا اليوم، ولو تأملت لرأيت أن هذا العظم إنما هو للعذاب، لا لليوم الذي فيه العذاب، فهذا من باب المبالغة، وكأنّ العذاب قد انتقلت شدته وعظم ما فيه من الأهوال إلى اليوم نفسه، فإذا أضفت إلى هذا ما تعنيه حروف العين والظاء والميم، من بلوغ الأمر إلى منتهاه، وأضفت إليه وضع هذه الحروف في صيغة المبالغة عظيم؛ لاستطعت أن تتخيل مدى قوة هذا العذاب وهوله.
والمقام لا يتسع لأعرض عليكم، ولنتذاكر معًا ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- مما أعده الله للكافرين من ألوان العذاب النفسي والبدني، من أول لحظات مفارقتهم للدنيا وملائكة العذاب يقبضون أرواحهم يضربون وجوههم وأدبارهم ويقولون لهم: ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ (الأنعام: ٩٣) إلى أن يلقوا في السعير؛ حينذاك يسمعون لها تغيظًا وزفيرًا ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ (الفرقان: ١٣)، فيأتيهم الرد الذي يحمل السخرية والتأنيب، لتزداد حسراتهم فيقال لهم: ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾ (الفرقان: ١٤)، فقول نوح لقومه: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (الشعراء: ١٣٥) أسلوب في الدعوة عظيم، فيه نظرة من يرى بنور الله، ومن يحمل رسالة الخير لقومه، ومن يعلم أن الخسارة في الآخرة هي الخسارة الحقة، وأن العذاب فيها لا يعدله عذاب.