ومن هذا الدرس يتعلم الدعاة أدب الدعوة إلى الله، وأنها تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن الدعوة تبدأ بالأهل والأقارب، وقد بدأت دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- أولًا لعشيرته الأقربين، كما قال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الشعراء: ٢١٤، ٢١٥).
دعا إبراهيم عبدة الأصنام، لقد أقام عليهم الحجة بطريق عملي لا سبيل لرده؛ إذ بعد أن دعاهم إلى توحيد الله في ربوبيته وألوهيته، فلم يستجيبوا له، أقسم أن يكيد لأصنامهم كيدًا، يظهر عدم استحقاقها للعبادة، فما إن خرج القوم إلى عيد لهم خارج البلدة، وكان هذا من عادتهم في كل عام، حتى دخل إلى معبدهم فكسر أصنامهم، وجعلهم جذاذًا إلا كبيرًا لهم، علق الفأس بيد هذا الصنم الأكبر، فلما جاءوا ورأوا ما حل بأصنامهم، ثاروا وغضبوا، وأتوا بإبراهيم على أعين الناس لعلهم يشهدون، وكان هذا مقصد إبراهيم ليقيم عليهم الحجة على الملأ.
ولما سألوه: ﴿أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ (الأنبياء: ٦٢، ٦٣) فكانت حجة واضحة أفحمتهم ﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الأنبياء: ٦٤) ولكن الهوى أعماهم فقالوا: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ﴾ (الأنبياء: ٦٥) وهذا اعتراف منهم بالحقيقة، ولذلك قال لهم إبراهيم: ﴿أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (الأنبياء: ٦٦، ٦٧).
فثارت ثائرتهم وأطفئ عندهم سراج العقل، ولم يبق إلا الكبر والإصرار على الباطل، ولم يجدوا لهم سبيلًا إلا أن يتخلصوا من إبراهيم، لقد فكروا ولم يطل