بهم التفكير، في الكيفية التي يقضون بها على هذا الذي سفه أحلامهم وأبطل حجتهم، فوجدوا أن يجمعوا لذلك حطبًا كثيرًا فيضرموا فيه النيران، ثم يلقون إبراهيم في هذه النيران، فلما وضعوه مقيدًا في كفة المنجنيق قال -عليه السلام-: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، وقذفوه في النار دون رحمة، والكل يشاهد هذا المنظر العجيب، وهذا الإجرام الذي فاق الحدود، ولكن الله القوي القادر القاهر أمر النار أن تكون بردًا وسلامًا على إبراهيم، فكانت كذلك، ولم تحرق إلا وثاقه ونظر إليه الناس فرأوه في روضة خضراء، ولكن النار من حول روضته لا يستطيع أحد الوصول إليه.
وقد روى ابن عساكر عن عكرمة: "أن أم إبراهيم نظرت إلى ابنها -عليه السلام- فنادته: يا بني إني أريد أن أجيء إليك، فادع الله أن ينجيني من حر النار حولك، فقال: نعم، فأقبلت إليه لا يمسها شيء من حر النار، فلما وصلته اعتنقته وقبلته ثم عادت". ﴿وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾ (الأنبياء: ٧٠) ويقول الله في سورة "الصافات": ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ﴾ (الصافات: ٩٨) فانظر إلى طريقة إبراهيم في دعوته، وكيف وجه أسئلته إلى قومه في أسلوب مقنع مهذب، إلى أن قال: ﴿بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ (الأنبياء: ٥٨).
وتأمل في شجاعة إبراهيم في الحق، وهو يقسم أن يكيد لأصنامهم بعد أن يولوا مدبرين، ونفذ ما أقسم عليه بطريقة، أراد منها أن يجمع الناس ليقيم عليهم الحجة، وتم له ما أراد، وقدم ما أراد على طريقته في الإقناع، الذي حاصر كل دليل وأبطل كل ما اعتقدوه في أصنامهم، فقابلوا هذا بالقوة والغشم والتعدي على هذا الذي أراد لهم السعادة، فأوقدوا نارًا هائلة وألقوه فيها، وفي تسليم إبراهيم لأمر الله وفي ثقته في فضل الله درس عظيم للدعاة؛ ليعلموا أنهم إن