أخلصوا لله في الدعوة إليه، فإن الله حافظهم وناصرهم، والدروس في قصة إبراهيم كثيرة.
ولما نجاه الله من النار، ووجد أن أرض بابل لم تعد صالحة لغرس الإيمان، خرج مهاجرًا إلى أرض الشام، ومعه زوجه سارة وابن أخيه لوط، ولم تكن هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، إنما كانت لله ومن أجله، ولذلك قال الله على لسانه: ﴿وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (العنكبوت: ٢٦) وقال: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ (الصافات: ٩٩) ورغب في الولد ليحمل الرسالة معه ومن بعده، فقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ (الصافات: ١٠٠، ١٠١) ذلكم هو إسماعيل -عليه السلام- وكان من أمر إسماعيل ما ذكرته آيات الصافات، إلى أن فدى الله إسماعيل بذبح عظيم، ولصبره وحسن بلائه بشره الله بإسحاق نبيًّا من الصالحين.
فماذا كان من أمر إبراهيم في بلاد الشام؟ لقد وجد في مدينة حران، وهي من مدن بلاد الشام، قومًا يعبدون الكواكب فكيف أقام عليهم الحجة، وأظهر لهم أن هذه الكواكب مربوبة لله رب العالمين؟ إنه لم يرمهم بالجهل والكفر، ولم يقل لهم من البداية: إن هذه الكواكب لا تضر ولا تنفع، وإنها مربوبة لمن خلقها، إنما دخل معهم إلى معابدهم، وبزغ في كبد السماء كوكب الزهرة، فقال إبراهيم: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ (الأنعام: ٧٦) وما هي إلا ساعات حتى أفل هذا النجم، فلم يزد على أن قال: ﴿لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ (الأنعام: ٧٦).
ثم بدا القمر مضيئًا في صفحة السماء، قال كما قالوا: ﴿هَذَا رَبِّي﴾ (الأنعام: ٧٧) وما هي إلا ساعات حتى غاب القمر، فقال: ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ (الأنعام: ٧٧) فعرض بضلالهم دون أن يفصح عن ذلك، وأشرق الصبح وبدأت الشمس ترسل أشعتها فقال: ﴿هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ﴾ (الأنعام: ٧٨)