فقال لهم: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾ (يس: ٦٠ - ٦٢).
وقد أشار عيسى -عليه السلام- إلى الصراط، فأتى به نكرة، والتنكير يفيد التعظيم، ووصف الصراط بالاستقامة، فدل على أنه مُوصِّل للهدف من أقرب طريق، ومع وضوح هذه الدعوة أحس منهم الكفر، فقال: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ (الصف: ١٤) وهي طريقة في الدعوة لا بد منها، يرسمها الأنبياء لنصرة دين الله. قال أصحابه الخُلَّص وأهل مودته وإن قل عددهم، وقد سماهم عيسى وذكرهم القرآن بأنهم الحواريون. قالوا: ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ (آل عمران: ٥٢، ٥٣).
إذا كان هذا نموذجًا من دعوة عيسى، فهناك الكثير من النماذج في القرآن الكريم، ولنكتف منها بنموذج آخر، هو ما نراه في سورة "الصف" في قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (الصف: ٦).
فهو يبدأ دعوته بتذكيرهم، وهو يناديهم بأنهم بنو إسرائيل، وإسرائيل نبي الله يعقوب -عبد الله ومصطفاه- ابن إسحاق بن إبراهيم خليل الله، وبهذا النداء يستجيش فيهم عناصر النخوة والكرامة؛ ليحافظوا على ميراث النبوة، الذي جعله الله فيهم منذ عهد إبراهيم -عليه السلام- يناديهم ليخبرهم أنه رسول الله، فهو حين يبلغ إنما يبلغ عن الله، وطاعته إذًا طاعة لله، ومعصيته معصية لله، وأمر آخر هو أن الله إذ أرسله؛ أرسله لما فيه خيرهم، ولهذا قال: ﴿إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ (الصف: ٦).
وهل هناك خير أعظم من معرفة الله ربًّا معبودًا


الصفحة التالية
Icon