لذلك، فالمعجزات التي أجراها الله على يد الأنبياء السابقين كانت لإثبات رسالتهم، ورسالة كل نبي غير معجزته، أما معجزة رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- فكانت عين رسالته.
كان القرآن الكريم هو المعجزة التي تحدى الله بها العرب الفصحاء؛ إذ طلب منهم متحديًا أن يأتوا بمثله فعجزوا، فطالبهم بعشر سور من مثله فعجزوا، فطالبهم أن يأتوا بمثل أقصر سورة فيه فلم يفعلوا، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: ٢٣، ٢٤) فانظر إلى هذا المنهج في الدعوة وأنت تتأمل هذا التحدي بمراحله، إلى أن أفحمهم فلم يجدوا إلا اللجاج والعناد.
كما أن طريقة إنزال هذا القرآن، كانت أيضًا منهجًا عظيمًا في الدعوة، إذ لم ينزل هذا القرآن كالكتب السابقة دفعة واحدة، إنما نزل منجمًا في ثلاث وعشرين سنة، يتعهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين به بألوان من التربية والتوجيه والتثبيت والتطمين، وقد ذكر الأئمة وجوهًا كثيرة في حكمة نزول القرآن منجمًا، ومن هذا ما ذكره صاحب (مناهل العرفان في علوم القرآن) الذي أجاد وأفاد، ومن هذا يتعلم الدعاة كيف يأخذون الناس في رفق إلى الالتزام بهذا الدين، ولا يعني هذا أن ينتقل الداعية على طريقة نزول القرآن منجمًا، فيبدأ بالقول بأن الخمر حلال ثم يحرمها وقت الصلاة، ثم يحرمها تحريمًا عامًّا شاملًا كما فعل القرآن.
إنما يسوق ألوانًا من الترهيب والتخويف من شربها، والمتاجرة فيها وحملها وصناعتها، ويذكر جملة مما أعد الله للمتقين من ألوان الشراب في جنته، ويرغب في العمل الصالح، ويدعو إلى التمسك والاعتصام بحبل الله، ففي ذلك النجاة.