وهذا نموذج آخر لإثبات وحدانية الله، وأنه كما أنه متفرد بربوبيته وأسمائه وصفاته، هو كذلك متفرد في ألوهيته، مما يستوجب أن يكون هو وحده الإله المعبود والرب المقصود، هذا النموذج نقرؤه في آيات من سورة يونس. يقول المولى -عز وجل-: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ * كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ (يونس: ٣١ - ٣٦).
وهذه الآيات تحتاج إلى الكثير من الوقفات، فهي منهج متكامل في طريقة الدعوة إلى الله، في ست آيات ترى قول الله لرسوله ست مرات ﴿قُلْ﴾ وهذا الأمر يعني أنه مأمور من قبل مولاه، وأن هذا القرآن ليس من عنده، إنما هو كلام من أرسله، وما هو إلا مبلغ عن ربه، كما يعني هذا الأمر قوة الدعوة التي يدعو إليها هذا الرسول، وثقته المطلقة في عدالة قضيته، وارتكازها على الأسس التي لا تميل، فهي دعوة ربانية، مصدرها قيوم السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة.
وبعد الأمر الأول تتوالى الأسئلة التي تقررهم، فتسألهم عن من يرزقهم من السماء بالأمطار، ومن الأرض بألوان الثمار، وتسألهم عن من يملك السمع والأبصار، ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر؟ فتكون