أما كلمة البر -والتي نتحدث فيها عن بر الوالدين- فلم ترد في كتاب الله إلا في سورة "مريم" في قول يحيى وعيسى، يحيى كما قال ربنا: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ (مريم: ١٤)، وعيسى -عليه السلام- يقول: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ (مريم: ٣٢) الغاية إذا من هذا البر -كما ألمحت- هو يبذل الابن قصار جهده في أن يتوسع في الخيرات والعطاءات، وأن يقوم بواجبه تجاه والديه، إلى أن يصل بذلك إلى درجة الإحسان.
الإحسان إلى الوالدين في السنة المشرفة
وحين نتأمل سوف نرى كلمة الإحسان قد جاءت في السنة المشرفة في قول الرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم- تبين المرحلة العليا في تجويد الإسلام والإيمان، فلما سئل الرسول -عليه الصلاة والسلام- وذكر الإسلام وذكر الإيمان وسئل عن الإحسان قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) فسوف نعرف كثيرًا من هذه المعاني حين نستعرض ما جاء في السنة المشرفة، وفيها الكثير من المعاني، هيا إذًا لنقتبس من نور المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ما يضيء للدنيا الطريق:
روى البخاري بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك))، فترى أنه -صلى الله عليه وسلم- أوصى هذا الصحابي بأمه المرة تلو المرة، ثم جاء الأب في المرتبة الأخيرة، وما ذلك لم بذلته الأم من تعب ومن مشقة كما رأينا في الآيات: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ أو كما قال ربنا: ﴿وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ ثم إنها ضعيفة فتحتاج إلى مزيد من الرعاية.