وفي هذه الأحاديث نرى أن إكرام الضيف من الإيمان، وأن جائزة الضيف هي يوم وليلة، وأن الضيافة ثلاثة أيام، وما زاد عن هذه الأيام الثلاثة فهو صدقة، وفي توجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يرشد أهل الإيمان إلى أنه لا ينبغي ولا يحل ولا يجوز للضيف أن يقيم عند صاحب البيت حتى يحرجه.
لكنه إن رأى تمسك الضيف به وأنه يريد أن يقيم معه مدة من الزمان أخرى، ووجد أنه في ذلك صادق وأنه يريد هذا على وجه الحقيقة لا من باب الحياء؛ فلا حرج عليه.
أيضًا يروي لنا الإمام البخاري حديثًا عظيم ًا عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- فيقول: كان أبو هريرة يقول: ((يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدتُ يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه -أي: على طريق خروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر- فمر أبو بكر فسألته عن آيات من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر فسألته عن آيات من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر فلم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم- فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: يا أبا هر، قلت: لبيك يا رسول، قال: الْحقْ -أي: الْحَقْ بي- ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبنًا في قدح فقال: من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: أبا هر قلت: لبيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال -أي: أبو هريرة-: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة! كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله


الصفحة التالية
Icon