وذلك في صوم التطوع، أما في صوم الفرض فلا مجال فيه لهذا الأمر، وإن لم يتحقق سرور قلبه فليصدّقه بالظاهر وليفطر، وإن تحقق أنه متكلف فليتعلل، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لمن امتنع بعذر الصوم: ((تكلف لك أخوك وتقول: إني صائم؟!)) إلى آخر ما ذكر في هذا المقام.
الأمر الرابع: أيضًا أن يمتنع من الإجابة إن كان الطعام طعام شبهة أو الموضع أو البساط المفروش من غير حلال، أو كان يقام في الموضع منكرًا، إلى آخر ما ذكر في هذا.
الأمر الخامس: ألا يقصد بالإجابة قضاء شهوة البطن، فيكون عاملًا في أبواب الدنيا، بل يحسّن نيته ليصير بالإجابة عاملًا للآخرة، وذلك بأن تكون نيته الاقتضاء بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: ((لو دعيت إلى كراع لأجبت)) وينوي إكرام أخيه المؤمن كما ينوي إدخال السرور على قلبه، وينوي أيضًا مع ذلك أن تكون الزيارة ليكون من المتحابين في الله؛ إذ شرط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه التزاور والتباذل لله، وقد حصل البذل من أحد الجانبين فتحصل الزيارة من جانبه أيضًا، وينوي صيانة نفسه عن أن يساء به الظن في امتناعه، ويطلق اللسان فيه بأن يحمل على تكبر أو سوء خلق أو استحقار أخ مسلم أو ما يجري مجاراة، فهذه نيات تجعل هذه القربات لله وفي سبيله.
ثم يتحدث عن آد اب الحضور فيقول: وأما الحضور فأدبه أن يدخل الدار ولا يتصدر فيأخذ أحسن الأماكن، بل يتواضع ولا يطوّل الانتظار عليهم، ولا يعجل بحيث يفاجئهم قبل تمام الاستعداد، ولا يضيّق المكان على الحاضرين بالز حم ة، بل إن أشار إليه صاحب المكان بموضع لا يخالفه ألبتة، فإنه -أي: صاحب البيت- قد يكون رتب في نفسه موضع كل واحد، فمخالفته تشوش عليه، وإن أشار إليه بعض الضيفان بالارتفاع إكرامًا فليتواضع ولا ينبغي أن يجلس في مقابلة باب الحجرة التي للنساء، ولا يكثر النظر إلى الموضع الذي يخرج منه الطعام، فإنه دليل على الشره، ويخص بالتحية والسؤال من يقرب منه إذا جلس، وإذا