ويروي أحمد بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا والله لا يؤمن، لا والله لا يؤمن، لا والله لا يؤمن، قالوا: ومن ذاك يا رسول الله؟ قال: جار لا يأمن جاره بوائقه، قيل: وما بوائقه؟ قال: شره)) فانظر كيف نفى الإيمان المرة تلو المرة عن هذا الإنسان، الذي يجعل جاره في حال من الخوف من شره. ومعنى نفي الإيمان: أنه إيمان ناقص، وليس معناه: أنه خرج من الإسلام ومن الإيمان، فمن الذي يقبل أن يصل به الحال إلى أن يقول فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والله لا يؤمن، لا والله لا يؤمن، لا والله يؤمن)).
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة: في سبيل الله، وابن السبيل، ورجل كان له جار فتصدق عليه فأهدى له)) وهذا معناه: أن على الجار أن ينظر حال جاره ليتصدق عليه، وليقدم له ما يستطيع من ألوان الهدية التي تجمع بين القلوب.
ويروي الإمام أحمد عن سلمة بن سلامة بن وقش -وكان من أصحاب بدر- قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال: "فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- بيسير، فوقف على مجلس عبد الأشهل قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنًّا، علي بردة مضطجعًا فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، فقال: ذلك لقوم أهل شكر أصحاب أوثان لا يرون أن بعثًا كائنًا بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان! ترى هذا كائنًا، إن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار، يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم، والذي يحلف به لودّ أن له بحظّه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا، يحمونه ثم يدخلونه إياها، فيطبق به عليه وأن ينجو من تلك النار غدًا، قالوا له: ويحك! وما آية ذلك؟ قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة