قال: ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح وغير الصالح، والذي يشمل الجميع إرادة الخير له وموعظته بالحسنى والدعاء له بالهداية، وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل، والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم، وغير الصالح كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه، ويبين محاسنه، ويرغّب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضًا، ويستر عليه زلله له عن غيره، وينهاه برفق، فإن أفاد فيه وإلا فيهجره قاصرًا تأديبه على ذلك، مع إعلامه بالسبب، إلى آخر ما قال.
وقد أورد الإمام البخاري في باب حق الجوار في قرب الأبواب، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((قلت: يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابًا)) قال في (الفتح): أي أشدهما قربًا، قيل: الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها، فيتشوف لها بخلاف الأبعد، وأن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من الملمات ولا سيما في أوقات الغفلة.
قال ابن أبي جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب؛ لأن الهدية في الأصل ليست واجبة، فلا يكون الترتيب فيها واجبًا.
ويؤخذ من الحديث أن الأخذ في العمل بما هو أعلى أولى، وفيه تقديم العلم على العمل.
واختلف في حق الجوار؛ فجاء عن على -رضي الله عنه-: "من سمع النداء فهو جار"، وقيل: من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار.
وعن عائشة: "حد الجوار أربعون جارًا من كل جانب".