كل هذه الروايات لم يثبت منها شيء، والحق أنه ليس في القرآن ما يدل على شيء من ذلك، ولا فيما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء، وإنما هذه من أخبار بني إسرائيل التي نقلها إلينا مسلمة أهل الكتاب، وحملها عنهم بعض الصحابة والتابعين، وتناقلوها، ومرجعها إما إلى كعب الأحبار أو وهب بن منبه وأمثالهما.
التفسير الصحيح للسكينة:
التفسير الصحيح -والذي ينبغي أن تُفسر به- أن المراد بها الطمأنينة والسكون الذي يحلّ بالقلب عند تقديم التابوت أمام الجيش، فهي من أسباب السكون: الطمأنينة، وبذلك تقوى نفوسهم، وتشتدّ وترتفع معنوياتهم، فيكون ذلك من أسباب النصر، فهو كقوله -جل وعلا-: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ (التوبة: ٤٠) أي: طمأنينته، وما ثبَّت به قلبه، ومثل قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ (الفتح: ٤) ﴿فَأَ نْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ (الفتح: ٢٦) فالمراد بالسكينة طمأنينة القلب، ثبات النفوس، اليقين الذي ينزل على قلوب مَن يتبع شرع الله ويتبع رسوله.
يقول شيخنا الشيخ أبو شهبة:
ويعجبني في هذا ما قاله الإمام أبو محمد الشيخ عبد الحق بن عطية، حيث قال: والصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك، وتأنس به، وتقوى، وكذلك ذكروا في مجيء التابوت أقوالًا متناقضةً متضاربةً يردّ بعضُها بعضًا، مما يدل على أن مرجعه إلى أخبار بني إسرائيل وابتداعاتهم، وأنه ليس فيه نقل يُعتدّ به، ولا يُوثَق به.