وقوله - تعالى -: ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ لأنهم كانوا في زمانهم أشد الناس خلقة، وأعظمهم أجسامًا، وأقواهم بطشًا؛ هذا رأي، وقيل: ذات العماد؛ أي: ذات الأبنية التي بنوها والدور والمصانع التي شيَّدوها، وقيل: لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعب التي تُرفع بالأعمدة الغلاظ الشداد؛ والرأي الأول أقرب إلى الصواب، وهو أصح وأوجب، فقد ذكرهم نبيهم هود بهذه النعمة وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة الله - تبارك وتعالى - الذي خلقهم ومنحهم هذه القوة فقال -عليه السلام-: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الأعراف: ٦٩)، وقال - جل وعلا -: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ (فصلت: ١٥)، وقال - سبحانه - عنهم: ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ (الفجر: ٨)؛ أي: القبيلة المعروفة المشهورة التي لم يخلق مثلها في بلادهم في زمانهم لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم.
ومهما يكن من تفسير " ذات العماد " فالمراد القبيلة، وليس المراد مدينة، فالحديث في السورة إنما هو عمن مضى من الأقوام، الذين مكن الله لهم في الأرض، ولما لم يشكروا نعم الله عليهم ويؤمنوا به وبرسله بطش بهم، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ففيه تخويف ل كفار مكة الذين هم دون هؤلاء في كل شيء، وتحذيرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب هؤلاء.
بقي لنا كلمات قليلة تُعبّر أو تبين ما رُوي في عظم طولهم، وأنه شيء لا يصح؛ إذ ليس معنى قوة هؤلاء القوم، ولا قوة هذه القبيلة، وعظم، خلقهم وشدة، بطشهم، أنهم خارجون عن المألوف في الفطرة، فمن ثمَّ لا نكاد نصدق ما روي