فالتشنيع على هذا الإمام في غاية الشناعة، ونهاية الجسارة والبشاعة، وربما يُخشى منه الكفر، وما ذكر من امتناع العطف على الضمير المجرور هو مذهب البصريين، ولسنا متعبدين باتباعهم، وقد أطال أبو حيان في (البحر) الكلام في الرد عليهم، وادعى أن ما ذهبوا إليه غير صحيح، بل الصحيح ما ذهب إليه الكوفيين من الجواز.
وورد ذلك في (لسان العرب) نثرًا ونظمًا وإلى ذلك ذهب العلامة ابن مالك.
وقيل: إن ما حصل من هَمّ يوسف كان خَطرةً وحديث نفس بمقتضى الفطرة البشرية، ولم يستقر ولم يظهر له أثر؛ قال البغوي في تفسيره: قال بعض أهل الحقائق: الهمُ همان؛ همُ ثابتً: وهو إذا كان معه عزم وعقد ورضى، مثل هم امرأة العزيز، والعبد مأخوذ به. وهمُ عارضً: وهو الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم، مثل هم يوسف -عليه السلام- والعبد غير مأخوذ به ما لم يتكلم به ويعمل، هكذا قال البغوي.
وقيل: همت به هم شهوة وقصد للفاحشة، وهم هو بضربه، يقول شيخنا الشيخ أبو شهبة: ولا أدري كيف يتفق هذا القول وقوله -تعالي-: ﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾.
مما أذكر أيضًا أن القول بأن هَمّ يوسف كان بضربها ودفعها قال به كثيرٌ من المفسرين، وسواء كان يتوافق ولا يتوافق؛ ففيه تنزيه لساحته، لكن الحق ما سبق إليه القول؛ وهو أن جواب "لول" فيه تقديم وتأخير فلولا أن رأى برهان ربه لهم بها، فيكون الهمُّ ممتنعًا ولم يقع منه لوجود البرهان، وهو الذي ركزه الله في فطرة الأنبياء والمرسلين من نقاء القلب والعصمة الواجبة لهم.