يا طاهر، يا بن الطاهرين يقرأ عليك السلام رب العالمين، ويقول لك: أما استحييت مني أن استشفعت بالآدميين فوعزتي وجلالي لألبثنك في السجن بضع سنين، فقال يوسف: وهو في ذلك عني راضٍ؟ قال: نعم، قال: إذًا لا أبالي.
وقال كعب الأحبار: قال جبريل ليوسف: إن الله -تعالى- يقول: من خلقك؟ قال: الله -عز وجل-، قال: فمن حببك إلى أبيك؟ قال: الله، قال: فمن نجاك من كرب البئر، قال: الله، قال: فمن علمك تأويل الرؤي؟ قال: الله، قال: فمن صرف عنك السوء والفحشاء؟ قال: الله، قال: فكيف استشفعت بآدمي مثلك؟ فلما انقضت سبع سنين قال الكلبي: وهذه السبع سوى الخمسة التي قبل ذلك.
يعلق شيخنا الشيخ أبو شهبة فيقول: بعض المفسرين لا يكتفي بالسبع، بل يضم إليها خمسًا قبل ذلك، ولا أدري ما مستنده في هذا، وظاهر القرآن لا يشهد له؛ فلو كان كذلك لصرح به القرآن أو لأشار إليه؛ فلما انقضت السنين جاءه الفرج من الله؛ فرأى الملك ما رأى من الرؤيا العجيبة، وعجز الملأ عن تفسيره؛ تذكر الساقي يوسف وصِدْق تعبيره للرؤى فذهب إلى يوسف، فعبرها له خير تعبير فكان ذلك سبب نجاته من السجن، وقول امرأة العزيز: ﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ وأغلب الظن عندي أنّ هذا من الإسرائيليات، هذا كلام علمائن؛ يقول الدكتور محمد أبو شهبة: وهذا من الإسرائيليات؛ فقد صورت سجن يوسف على أنه عقوبة من الله؛ لأجل الكلمة التي قالها، مع أنه -عليه السلام- لم يقل هجرًا ولا منكرًا؛ فالأخذ في أسباب النجاة العادية، وفي أسباب إظهار البراءة والحق لا ينافي قط التوكل على الله -تعالى- والبلاء للأنبياء ليس عقوبة، وإنما هو لرفع درجاتهم؛ وليكونوا أسوة وقدوة لغيرهم في باب الابتلاء.


الصفحة التالية
Icon