ربك مائدة؟ فالسؤال لا يراد منه السؤال عن أصل الاستطاعة؛ إنما المراد إنزال الشيء بالفعل، من قبيل إطلاق السبب وإرادة المسبب، والمعنى: هل يجيبنا ربك يا نبينا عيسى إلى ذلك أم لا؟.
وقال بعض العلماء: ليس ذلك بشك في الاستطاعة؛ وإنما هو تلطف في السؤال وأدب مع الله تعالى بهذه الصيغة المهذبة؛ كقول الرجل لآخر: هل تستطيع أن تعينني على كذا وكذا؟ -وهو يعلم أنه يستطيع.
وأما قول من قال: إنه من قول من كان مع الحواريين، فبعيد؛ لخروجه عن ظاهر الآية؛ ولا سيما أن تفسير الآية مستقيم غاية الاستقامة على ما ذكرنا وما يعرف في قواعد اللغة.
وهذا السؤال إما لفقرهم وحاجتهم، وإما لتعرف فضل نبيهم عيسى -عليه السلام- وفضلهم وكرامتهم عند ربهم.
وأما ما روي أن عيسى أمرهم بصيام ثلاثين يومًا ثم ليسألوا ربهم ما يشاءون؛ فصاموا وسألوا؛ فهذا كلام لسنا منه على يقين.
بقية الآية: ﴿قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (المائدة: ١١٢) ليس هذا شكًّا في إيمانهم؛ وإنما هو أسلوب معهود حملًا على التقوى؛ كما قال تعالى في حق المؤمنين الصادقين من هذه الأمة المحمدية: ﴿وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين﴾ (الأنفال: ١) والمعنى: اتقوا الله ولا تسألوه؛ فعسى أن يكون فتنة لكم، وتوكلوا على الله في طلب الرزق، أو اتقوا الله ودعوا كثرة السؤال؛ فإنكم لا تدرون ما يحل بكم عند اقتراح الآيات؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- إنما يفعل الأصلح لعباده.
﴿إِنْ كُنتُمْ مُّؤْمِنِين﴾ أي: من أهل الإيمان بالله ورسله؛ ولا سيما أنه سبحانه آتاكم من الآيات ما فيه غنية عن غيره.