الثالثة؛ فلما انقضت عدتها خطبها داود -عليه السلام- فتسور عليه الملكان، وكان ما كان مما حكاه الله تعالى في الآيات، أو مما ذُكر في الآيات؛ رفع ذلك إلى النبي.
ولم يقف الأمر عند هذه الروايات الموقوفة عن بعض الصحابة والتابعين، ومسلمة أهل الكتاب أيضًا نقلوها لنا، بل جاء بعضها مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال صاحب (الدر) وأخرج الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) وابن جرير، وابن حاتم بسند ضعيف عن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن داود -عليه السلام- حين نظر إلى المرأة قطع على بني إسرائيل؛ هكذا في (الدر المنثور) وفي (تفسير البغوي)، ولعل العبارة: فظع -يعني فوجئ بهذا- إن داود عليه السلام حين نظر إلى المرأة قطع على بني إسرائيل وأوصى صاحب الجيش؛ فقال: إذا حضر العدو فقرب فلانًا بين يدي التابوت -وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به من قُدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم معه الجيش- فقُتل وتزوج المرأة، ونزل الملكان على داود -عليه السلام- فسجد فمكث أربعين ليلة ساجدًا؛ حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، فأكلت الأرض جبينه وهو يقول في سجوده: رب ذلّ داود ذلة أبعد مما بين المشرق والمغرب، ربّ إن لم ترحم ضعف داود وتغفر ذنوبه جعلت ذنوبه حديثًا في المخلوق من بعده.
فجاء جبريل -عليه السلام- من بعد أربعين ليلة فقال: يا داود، إن الله قد غفر لك، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل؛ فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة؛ فقال: يا رب، دمي الذي عند داود، قال جبريل: ما سألت ربك عن ذلك؛ فإن شئت لأفعلن، فقال: نعم، فعرج جبريل وسجد داود -عليه السلام- فمكث ما شاء الله ثم نزل، فقال: قد سألت الله يا داود عن الذي أرسلتني فيه، فقال: قل لداود إن الله يجمعكما يوم القيامة؛ فيقول له: هب لي دمك الذي عند داود؛ فيقول: هو لك يا رب،