ولو أنّ القصة كانت صحيحة؛ لذهبت بعصمة داود، ولنفرت منه الناس، ولكان لهم العذر في عدم الإيمان به فلا يحصل المقصد الذي من أجله أرسل الله الرسل، وكيف يكون على هذه الحال من قال الله في شأنه: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآب﴾ قال ابن كثير في تفسيرها: وإن له يوم القيامة لقربة يقربه الله -عز وجل- بها، وحسن مرجع، وهو الدرجات العالية في الجنة؛ لنبوته وعدله التام في ملكه، ك ما جاء في الصحيح ((المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يقسطون في حكمهم وما وُل ُّ وا)) وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أحب الناس إلي يوم القيامة وأقربهم مني مجلسًا؛ إمام عادل، وإن أبغض الناس إلي يوم القيامة هو أشدهم عذابًا؛ إمام جائر)) رواه أحمد والترمذي.
ولكي يستقيم هذا الباطل، قالوا: إن المراد بالنعجة في الآية: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ (ص: ٢٣) حول هذا المعنى قالوا: إن المراد بها المرأة، وإ ن القصة خرجت مخرج الرمز والإشارة، ورووا أن الملكين لما سمعا حكم داود وقضاءه بظلم صاحب التسع والتسعين نعجة لصاحب النعجة، قالا له: وما جزاء من فعل ذلك، قال: يقطع هذا - وأشار إلى عنقه - وفي رواية: يضرب من هاهنا وهاهنا - وأشار إلى جبهته وأنفه وما تحته - فضحكا وقالا: أنت أحق بذلك منه ثم صعدا.
ولننتقل إلى ما ذكره البغوي في ت فسيره؛ فقد ذكر في ت فسيره وذكر غيره عن وهب بن منبه: أن داود لما تاب الله عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة، لا يرقأ دمعه ليلًا ولا نهارًا، وكان أصاب الخطيئة، وهو ابن سبعٍ وسبعين سنة؛ فقسم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام: يوم للقضاء بين بني إسرائيل، ويوم لنسائه، ويوم يسيح في الفيافي والجبال والسواحل، ويوم يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب؛