فيجتمع إليه الرهبان فينوح معهم على نفسه فيساعدونه على ذلك؛ فإذا كان يوم نياحته يخرج في الفيافي فيرفع صوته بالمزامير فيبكي ويبكي معه الشجر والرمال والطير والوحش حتى يسيل من دموعهم مثل الأنهار، ثم يجيء إلى الجبال فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي وتبكي معه الجبال والحجارة والدواب والطير حتى تسيل من بكائهم الأودية، ثم يجيء إلى الساحل فيرفع صوته بالمزامير فيبكي وتبكي معه الحيتان ودواب البحر وطير الماء والسباع... إلى آخره.
والحق أن الآيات ليس فيها شيء مما ذكروا، وليس هذا في شيء من كتب الحديث المعتمدة، وهي التي عليها المعول، وليس هناك ما يصرف لفظ النعجة من حقيقته إلى مجازه، ولا ما يصرف القصة عن ظاهرها إلى الرمز والإشارة. وما أحسن ما قال الإمام القاضي عياض: لا تلتفت إلى ما سطره الإخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا ونقله بعض المفسرين ولم ينص الله تعالى على شيء من ذلك في كتابه، ولا ورد في حديث صحيح، والذي نص عليه في قصة داود هو قوله: ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾ وليس في قصة داود وأوريا خبر ثابت. هذا الكلام نقله القاضي في كتابه (الشفا ب التعريف بحقوق المصطفى) - صلى الله عليه وسلم.
والمحققون ذهبوا إلى ما ذهب إليه القاضي؛ قال الداودي: ليس في قصة داود وأوريا خبر يثبت، ولا يظن بنبي محبة قتل مسلم، وقد روي عن سيدنا علي -رضي الله عنه- أنه قال: من حدث بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة. وذلك حد الفرية على الأنبياء لماذا؟ لأن حد القذف لغير الأنبياء ثمانون؛ فرأى -رضي الله عنه- تضعيف هذا الحد بالنسبة للأنبياء، وفي الكذب عليهم رمي لهم بما هم براء منه؛ فف ي هـ معنى القذف لداود بالتعدي على حرمات الأعراض والتحايل في سبيل ذلك، وهو كلام مقبول من حيث المعنى إلا أنه لم يصح