به وينصرف، وهكذا يخسر الرجل بضاعته؛ لتفرقها في الأيدي الكثيرة -يعني كانوا سرقة- وكانوا أصحاب منكرات وفواحش، فهم كما قال الله تعالى عنهم: ﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ﴾ (العنكبوت: ٢٩) إلى آخر الآيات.
أهل هذا البلد كانوا ظلمة؛ ومن دلائل ظلمهم واستغراقهم فيه أن سارة زوجة إبراهيم أرسلت لعازر كبير عبيد إبراهيم؛ ليأتيها بسلامة لوط؛ فلما دخل مدينة سدوم لقيه رجل من أهلها؛ فعمد لعازر بحجر ضربه به في رأسه؛ فأسال منه دمًا كثيرًا، ثم تعلق به قائلًا: إن هذا الدم لو بقي لأضر بك، فأعطني أجري ثم آل الأمر بينهم إلى الترافع إلى قاضي سدوم، فلما سمع الخصمين حكم لعازر بأن ي ُ عطي للسدومي أجر ما ضربه بالحجر وأسال دمه؛ فلما رأى لعازر الجور من القاضي والخصم في أمره؛ عمد إلى حجر ضرب به رأس القاضي؛ فأسال دمه وقال: له الأجر الذي وجب لي عليك بإسالة دمه، عليك أن تعطيه لضاربي السدومي جزاء ضربه إياي وإسالة دمي. هذه الحكاية مع احتمال وضعها تفيدنا معرفة الفكر العام في أحوال هؤلاء الناس، وأنهم من الشرّ بحيثُ يصلحون أن تسند إليهم أمثالها؛ فهم يحرفون الكلام، ويغيرون... إلى آخره.
هيا بنا ننتقل إلى إبراهيم عليه السلام مع لوط عليهما السلام؛ إن الملائكة أخبرت إبراهيم أنهم ذاهبون للانتقام من قوم لوط الذين هم أهل هذا البلد؛ أهل سدوم وعامورة؛ فخاف إبراهيم أن يُمسّ لوط بأذى؛ فأخبروه بأنه ناج هو ومن آمن معه، ثم أخبروه -أي: الملائكة- بأن وقوع العذاب بالقوم أمر حتمي لا تقبل فيه شفاعة، ولا يغني جدال؛ الآيات: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُود﴾ (هود: ٧٦).