يقول صاحب (تفسير المنار) الشيخ محمد رشيد رضا: وفي خرافات المفسرين المروية عن الإسرائيليات: أن جبريل -عليه السلام- قلعها من تخوم الأرض بجناحه، وصعد بها إلى عنان السماء حتى سمع أهل السماء أصوات الكلاب والدجاج فيها، ثم قلبها قلبًا مستويًا؛ فجعل عاليها سافلها، وهذا تصورٌ مبني على اعتقاد متصوره: أن الأجرام السماوية المأهولة بالسكان مما يمكن أن يقرب سكان الأرض وما فيها من الحيوان، ويبقون أحياء.
وقد ثبت بالمشاهدة والاختبار الفعلي أن الطيارات والمناضيد التي تحلق في الجو؛ تصل إلى حيث يخف ضغط الهواء ويستحيل حياة الناس فيها، وهم يصنعون أنواعًا منها يضعون فيها من الأكسجين وكذا وكذا، وقد أشير في الكتاب العزيز إلى ما يكون للتصعيد في جو السماء من التأثير في ضيق الصدر بقوله: ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء﴾ (الأنعام: ١٢٥).
فإن قيل: إن هذا الفعل المروي عن جبريل -عليه السلام- من الممكنات العقلية، وكان وقوعه من خوارق العادات؛ فلا يصح أن يجعل تصديقه موقوفًا على ما عرف من سنن الكائنات. قال، أي صاحب (المنار): نعم؛ ولكن الشرط الأول لقبول الرواية في أمرٍ جاء على غير السنن والنواميس التي أقام الله بها نظام العالم من عمران وخراب أن تكون الرواية عن وحي إلهي نقل بالتواتر عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم- أو بسند صحيح متصل الإسناد لا شذوذ فيه ولا علة على الأقل، ولم يذكر في كتاب الله تعالى شيء من هذا، ولم يرد فيه حديث مرفوع إلى نبيه -صلوات الله وسلامه عليه- ولا تظهر حكمة الله فيه، وإنما روي عن بعض التابعين دون الصحابة، ولا شك أنه من الإسرائيليات.