وفي القصاصين ومدى تأثيرهم على العامة ذكر ابن قتيبة، قال: إنهم كانوا يميلون وجوه العوام إليهم، ويشدون انتباههم بالمناكير والأكاذيب والغريب من الأحاديث. والعوام الذين يقعدون عند القصاص من شأنهم أن يصدقوا هذا، وهذا فيه عَجب، وكلام غريب على العقول، أو فيه كلام فيه ترقيق للقلوب، فكانوا يحبون هذا، وينزفون العيون، ويدمعون لذلك، فإذا ذكر الجنة قال: فيها الحوراء من مسك أو زعفران، وفيها وفيها، وفيها من اللؤلؤ، وفيها من القصور، وفيها سبعون ألف قبة، وفي كل قبة سبعون ألف فراش، وفي كل فراش سبعون ألف كذا وكذا، هذه الأخبار المكذوبة كانت تستهوي كثيرًا من العوام، ولا يزال هكذا في السبعين ألفًا والسبعين والسبعين، كأنه يرى أنه لا يمكن أن يكون العدد إلا بهذا، فيصدقه الكثير من الناس.
اشتهر من المفسرين بالقصص والإسرائيليات أيضًا أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي النيسابوري، الذي عاش في القرن الرابع والخامس، توفي عام أربعمائة وسبعة وعشرين، كتابه (الكشف والبيان عن تفسير القرآن) وكتابه الآخر (العرائس الحِسان في قصص الأنبياء) كلا الكتابين مليء بالقصص والحكايات التي تستهوي عوامَّ الناس، وكتاب الخازن أيضًا نقل منه الكثير والكثير، مما لا يمت للحقيقة بصلة.
ثالثًا: من الأسباب: بعض الزهاد والمتصوفة، قد استباح لأنفسهم وضع الأحاديث والقصص في الترغيب والترهيب، وتأولوا الحديث المتواتر قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن كذَب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعدَه من النار)) وقالوا: إنما نكذب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولا نكذب عليه؛ أي: لترويج دينه، والانتصار لشريعته، لا للطعن فيها، وهذا منهم حصل مبالغةً وهذا كله كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواء كان كذبًا له أو كذب


الصفحة التالية
Icon