قرون، فقد قال في تفسيره عند هذه الآية، وقد روي عن السلف أنهم قالوا: " ق " جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل "ق"، وكأن هذا -والله أعلم- من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس، لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب، وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم، كما افتري في هذه الأمة مع جلالة قدر علمائِهَا وحفظاهَا وأئمتهَا أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما بالعهد من قدم، فكيف بأمر بني إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم، وشربهم الخمور، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه، وتبديل كتبِ الله وآياته؟
وإنما أباحَ الشارع الروايةَ عنهم في قوله: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) فيما قد يجوزه العقل، فأما فيما تحيله العقول، ويحكم عليه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل والله أعلم. هذا كلام العلامة ابن كثير.
قال: وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين، وكذا طائفة كثيرة من الخلف من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم ولله الحمد والمنة، حتى إن الإمام ابن أبي حاتم الرازي أورد هنا أثرًا غريبًا لا يصحُ سنده عن ابن عباس، ثم ساق السند والمتن الذي سبق ذكره، ثم قال: ف إسناد هذا الأثر فيه انقطاع؛ أي: راوٍ سقط من رواته.
والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-في قوله: -عز وجل- ﴿ق﴾ هو اسم من أسماء الله -عز وجل- والذي ثبت عن مجاهد، وهو من تلاميذ ابن عباس الملازمين له الناشرين لعلمِهِ، أنه حرفٌ من حروف الهجاء، كقوله تعالى: ﴿ص﴾ (ص: ١) ﴿ن﴾ (القلم: ١) ﴿حم﴾ (غافر: ١) ﴿طس﴾ (النمل: ١) ﴿الم﴾ (البقرة: ١)، فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما.