المفسرين كون ﴿مَا﴾ استفهامية كأنه قيل: بأي شيء أغويتني، ثم ابتدأ بقوله: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فهذا الإعراب شاذ؛ لأن قوله ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ هنا ما ليست استفهامية.
وسنعرف الآن ماذا يقصد هؤلاء الذين حرفوا الآية بهذا الإعراب الشاذ، جعلوا "ما" استفهامية، كأنه قيل فبما أغويتني؟ كأنه قيل: بأي شيء أغويتني؟ ثم ابتدأ بقوله: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ إعراب شاذ مضطرب مخالف لما عليه قواعد اللغة العربية، وعليه لا يصلح تخريج الآية الكريمة؛ لأن الاستفهام هنا لا معنى له؛ إذ كيف يسأل إبليس ربه -عز وجل- بأي شيءٍ أغواه وأضله، ثم إن ما الاستفهامية إذا وقعت بعد حروف الجر؛ فإن ألفها تحذف، كما هو مقرر في علم القواعد النحوية الصحيحة كقوله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ (النبأ: ١) حذفت الألف.
وكقوله تعالى: ﴿فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا﴾ (النازعات: ٤٣) فأما إثبات الألف في تلك الحالة فهو قليل شاذ كما قال الزمخشري؛ وعلى هذا فإن القول بأن ما في الآية استفهامية قول باطل، والصحيح أنها مصدرية ليست استفهامية، والمعنى: فبسبب إغوائك إياي؛ لأقعدن لهم صراطك المستقيم، أي لأعترضن لهم على طريق الإسلام، كما يعترض العدو على الطريق ليقطعه على السابلة والمارين، فهنا ما مصدرية سببية.
مثال آخر: نقول: جاء في تفسير قوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ (القصص: ٦٨) من الواضح: أن "ما" في قوله ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ نافية، أي: نفى اختيار الناس في أمرٍ قد اختاره الله سبحانه، هذا هو المعنى الصحيح لـ"ما"، لكن هناك قوم جعلوها، أي: "ما" موصولة، وبعضهم يجعلها مصدرية، وذلك غاية البطلان، كأنهم يقولون:


الصفحة التالية
Icon