وإذا أردنا أن نبين نشأةَ هذه الفرقة باختصارٍ شديدٍ، نقول: يذكر أصحاب التواريخ: أن دعوة الباطنية بعدما ظهرت أيام المأمون والمعتصم انتشرت، والذين أسسوا هذه الدعوة جماعة منهم: ميمون بن ديصان، المعروف بالقداح، وكان مولى لجعفر بن الصادق، اجتمعوا كلهم مع ميمون القداح في سجن والي العراق فأسسوا مذاهب الباطنية، ثم ظهرت دعوتهم بعد خلاصهم من السجن، ولما رحل ميمون بن القداح إلى ناحية المغرب، انتسب في هذه الناحية إلى عقيل بن أبي طالب وزعم أنه من نسله، فلما دخل في دعوته قومٌ من الروافض وغلاتهم، والحلولية ادعى منهم من ادعى أنه من أبناء إسماعيل بن جعفر الصادق. وظهرت في دعوته إلى الباطنية حمدان قرمط، بذلك لُقِّبَ لقرمطة في خطه، أو في خطوه، وإليه تنسب القرامطة.
ظهر بعده في الدعوة أبو سعيد الجنابي، وكان من مستجيبي حمدان تغلَّبَ على ناحية البحرين، ثم ظهرت هذه الفتنة بالمغرب على يد سعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح وظهرت الفتنة أيضًا بأرض فارس على يد مأمون أخي حمدان قرمط وظهرت بأرض الديلم، وانتشرت هذه الدعوة، ولم تلبس هذه الفرقة حتى انتشرت في كثير من البلاد.
ومن أراد معرفة الخط البياني لها علوًّا وانحطاطًا، وظهورًا وانكماشًا؛ فعليه بكُتُب الفرق ككتاب (الفَرْقُ بين الفِرَق) وكتاب (فضائح الباطنية) وكتاب (تلبيس إبليس) و (مشكاة الأنوار) وغيرها.
لا بد أن نعرف أن هذه الفرقة -فرقة الباطنية- لها صلة وجذور تنتمي إلى المجوس، من يمعن النظر في مبادئها؛ يدرك أن هناك اتصالًا قويًّا بين هذه الفرقة وبين المجوسية؛ فإن دعاة الباطنية أولوا أصول الدين، وأحكام الشريعة تأويلًا


الصفحة التالية
Icon