٢ - التحسين الذي يميز الحروف: قد علمنا أن القرآن، كما أنه لم يكن رسمه يبيّن إعرابه، كذلك لم يكن ليميّز حروفه المعجمة من المهملة. ولم يكن العرب ليخطئوا في قراءته بحكم فطرتهم وسليقتهم، إذ لم يكن من المعقول أن يقرأ العربي قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ باستبدال ذال بدل الدال في لفظ (الحمد) أو استبدال غين بدل العين في لفظ (العالمين) لأن كلّا من الكلمتين لا يصبح لها معنى بهذه الحالة في اللغة العربية. وكذلك لا يعقل أن يستبدل حرف الدال في قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ بالذال، لأنها لا تناسب سياق الكلام في تلك الحالة أيضا.
ولكن ما ذكرنا من دخول الأعاجم في الإسلام، وإقبالهم على تعلّم القرآن، كان له أثر في خطأ الناس في القراءة؛ لأن هؤلاء لا يعرفون ما هو من العربية وما هو ليس منها، كما أنهم قد لا يدركون المعنى ومناسبته للسياق لأول وهلة. ولذا سارع المسلمون كما ذكرنا إلى إدخال التحسين على الرسم القرآني، وقد علمنا أن التحسين الذي طرأ إنما اقتصر فقط على بيان إعراب الكلمات، وبقيت الحروف غير مميزة بعضها عن بعض، فربما التبس على القارئ الحرف المعجم كالذال وغيره، بالحرف المهمل كالدال وغيره، ولذلك وجد المسلمون أنفسهم مضطرين إلى تحسين جديد، يجرونه على الرسم القرآني، غير ما قام به أبو الأسود يميزون به بين الحرف، ليحصنوا كتاب الله تعالى من عجمة اللسان.
ولقد قام بهذا العمل لأول مرة نصر بن عاصم تلميذ أبي الأسود الدؤلي، بأمر من الحجاج بن يوسف الثقفي، فوضع علامات تميّز الحروف المشتبهة بعضها عن بعض. وكانت هذه العلامات نقطا على الحرف، التزم فيها ألّا تزيد عن ثلاث نقط في أي حرف «١».

(١) كتاب النقط؛ لأبي عمرو الداني (ص ١٢٥).


الصفحة التالية
Icon